المبادئ الجديدة في قانون أصول المحاكمات /1/ لعام 2016 (23)
------------------------------------------------------------------
في انبرام القرار الاستئنافي بالقضايا التنفيذية:
أجرى القانون الجديد تعديل لفظي طفيفٌ في الظاهر، ولكنه يعكس اضراب حاد ساد الاجتهاد القضائي في الستينات من القرن الماضي.
فقد نصَّ المشرع على:
((تفصل محكمة الاستئناف في غرفة المذاكرة في الطعن بقرار {مبرم} ......)) (المادة 279/ و)
وكان النص السابق يعتبر هذا القرار: {له قوة القضية المقضية} المادة 277/ 4،
وبين الانبرام، وقوة القضية المقضية هناك تاريخ للنص لابد من استعراضه حتى ندرك دقة وخطورة التعابير الحقوقية، وأن هذا التعديل ليس تحسيناً لفظياً بريئاً.
عندما صدر قانون أصول المحاكمات في العام 1953، كان النص يقول:
(تفصل محكمة الاستئناف في الطعن بقرار له قوة القضية المقضية)
في العام 1958 جرى تعديل لهذا النص بموجب القانون 85 تاريخ 22/ 6/ 1958 فأضيفت إليه عبارة (في غرفة المذاكرة)،
فعلى ما يبدو كان استئناف قرارات رئيس التنفيذ قبل هذا التعديل ينظر في قضاء الخصومة، ومن مقتضياته التبليغات والاستمهالات المعروفة، مما يتسبب بإطالة الإجراءات التنفيذية،
ومن تتبع الاجتهاد القضائي المنشور بعد هذا التعديل نلحظ اتجاهاً لمحكمة النقض بقبول الطعن الوارد على قرار محكمة الاستئناف التنفيذي، إذا تناول منازعات موضوعية لا علاقة لها بالطلبات التنفيذية!
وكان مبرر محكمة النقض بهذا الاتجاه، أن لها ولاية عامة على محاكم الاستئناف، وأن النص الذي يحظر عليها النظر بهذه الطعون، يعتبر استثناءً لا يمنعها أن تتحقق منه. (نقض-قرار 544 – تا 29/ 12/ 1965 – القانون لعام 1966 – ص266).
وهكذا بات الاضطراب يسود الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف بالقضايا التنفيذية، حيث يتم الطعن فيها أمام محكمة النقض، فتقوم بتقدير ما إن كان الطعن مقبول شكلاً أم غير مقبول، وفق معايير غير دقيقة تتسم بالغموض والضبابية، ولا يخفى ما لهذا النهج القضائي من أثر سلبي على القضايا التنفيذية لجهة إطالة أمدها ونفقاتها!
وبقي الحال كذلك حتى العام 1968 حين قامت الغرفة المدنية بمحكمة النقض بالاحتكام للهيئة العامة بهذا الموضوع، فأسدلت الستار على فصل قضائي مربك بإقرار المبدأ التالي:
((العدول عن الاجتهاد السابق واعتبار الأحكام الاستئنافية الصادرة في القضايا التنفيذية غير قابلة لطريق الطعن بالنقض ولو تجاوزت المحاكم المذكورة اختصاصها)) (هيئة عامة – قرار 6 – تا 11/ 6/ 1968 – القانون لعام 1968 – ص550).
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الأستاذ المرحوم نصرة منلا حيدر في مرجعه القيّم والمشهور بالتنفيذ انتقد صياغة النص وعبارة (قوة القضية المقضية) ودعا لاستبدالها بعبارة (بحكم مبرم) قائلاً أنها:
((لا تدل أن الحكم الذي يتمتع بها لا يمكن الطعن به بطريق النقض، لأن أي حكم يعتبر حائزاً قوة القضية المقضية بمجرد استنفاذه طرق الطعن العادية، ومنها الطعن بطريق الاستئناف، وليس طرق الطعن غير العادية ومنها طريق الطعن بالنقض، وكان ينبغي على الشارع أن يستعمل عبارة "بحكم مبرم" بدلاً من عبارة "قوة القضية المقضية" للدلالة على عدم قابلية الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الطعن بطريق النقض)) (طرق التنفيذ، الصفحة 48)
كما انتقد هذا الفقيه الكبير أيضاً موقف محكمة النقض الذي كان يقبل الطعون الواردة على أحكام محكمة الاستئناف.
هذه هي الخلفية التي أدت لوصول هذا النص لنا بشكله الحالي،
ولكن هذا التعديل يطرح تساؤلاً كبيراً لا يمكن تجاهله، حول الحجية التي تتمتع فيها قرارات محكمة الاستئناف بصفتها هذه، ذلك أن الاجتهاد القضائي يقول:
((إن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بوصفها مرجعاً للقرارات التنفيذية له قوة القضية المقضية، ويمنع من إقامة دعوى جديدة)) (نقض – قرار 704 – تا 24/ 10/ 1960 – القانون لعام 1961 - ص244)
فهل يعتبر النص الجديد باعتبار القرار يصدر مبرماً بدلاً من تمتعه بقوة القضية المقضية، يفتح الباب للنيل من هذه الأحكام التي تصدر في غرفة المذاكرة أمام قضاء الخصومة بدعوى مبتدئة؟؟
في الواقع ليس من السهل التصدي لهذا السؤال والبتُّ به قبل الرجوع لمناقشات اللجان التي أقرت القانون، والدخول في نقاش فقهي معمق حوله، مستذكرين أيضاً الرأي المثير للجدل للمرحوم نصرة منلا حيدر بهذا الموضوع الذي يقول:
((إن القرارات المتخذة في الإشكالات التنفيذية بمفهومها الضيق تتمتع بحجية أمام محاكم الأساس، في حين أن القرارات المتخذة في الإشكالات بمفهومها الواسع، لا تتمتع بمثل هذه الحجية لتعلق البت نهائياً بمثل هذه الإشكالات بهذه المحاكم)) (المرجع السابق – الصفحة 52)
-------------------------------
ومن جهة أخرى يؤخذ على النص الجديد سوء صياغة من نوع ثاني إذ أنه يقول:
((تفصل محكمة الاستئناف في غرفة المذاكرة في الطعن بقرار مبرم ومعلل وعلى رئيس التنفيذ اتباعه))
فقد يثار جدل في إلزام المشرع للمحكمة أن يكون قرارها معللاً، في حين أن القواعد العامة في إصدار الأحكام تفرض عليها ذلك، ولكن قد يبرر له أن طبيعة القضية التنفيذية تستوجب هذا التأكيد،
ولكن مما لا يجوز الجدل فيه هو إلزامه رئيس التنفيذ بوجوب اتباع قرار محكمة الاستئناف، إذ لا يتصور أن يتمرد قاض على مرجعه الأعلى درجة منه، مما يسم هذا الإلزام بأنه غير لائق.
فضلاً عن أن أصول الصياغة تقتضي إفراد طبيعة هذا القرار بأنه (مبرم) في بند مستقل منفصل عن هذه الفقرة، لأن مكانه في العبارة بهذا الشكل غير مناسب ويوحي وكأن المحكمة هي التي تتحكم بطبيعة قرارها إن كان مبرماً أم لا.
للبحث صلة إن شاء الله .....
الجمعة يناير 22, 2016 2:30 am من طرف ﻧﺎﻳﻒ الشيخ