المبادئ الجديدة في قانون أصول المحاكمات /1/ لعام 2016 (17)
------------------------------------------------------------------
في تقديم الطعن بالنقض من محام أستاذ منذ عشر سنوات:
أضاف القانون الجديد (المادة 254/ ج)، شرطاً جديداً -مثيراً للجدل- لقبول الطعن بالنقض شكلاً، يقضي بوجوب تقديمه من محام أستاذ مضى على تسجيله في جدول المحامين الأساتذة مدة لا تقل عن عشر سنوات، تحت طائلة رد الطعن شكلاً.
ليس هذا فحسب، بل يسري هذا الشرط أيضاً على:
تقديم الطعن التبعي،
تقديم الجواب على الطعن،
تمثيل الأطراف (المرافعة) وتقديم طلبات الإدخال والتدخل والجواب عليها أمام هذه المحكمة،
تقديم دعوى مخاصمة القضاة (المادة 471/ آ).
أي أنه من الناحية العملية، ما خلا الأعمال الإدارية، لم يعد هناك أي عمل للمحامي الذي لم يحقق هذا الشرط في محكمة النقض!!
هذا الشرط المستحدث أدرج لأول مرة في الفقرة الثالثة من المادة 236 من المشروع الأساسي الذي أعدته وزارة العدل في العام 2013، وكان الاقتراح بالأصل ألّا تقل المدة عن 15 عاماً.
وعلى ما يبدو أن نقاشاً دار في اللجان التي تولت تنقيح المشروع حول هذا المبدأ، فاستساغته ولكنها لم تستسغ المدّة الطويلة المقترحة، فقلصتها حتى عشر سنوات كما ورد في النص، في حين أنها استبعدت العديد من المبادئ والأفكار الأخرى الجديدة التي وردت بالمشروع أو عدلتها كلياً.
ولكن ما الذي دعا لإقرار هذا الشرط الجديد؟؟
لا ريب أن التشريع المقارن في فرنسا ومصر أخذ بمبدأ تدرج المحامي في المرافعة أمام المحاكم بمختلف درجاتها، مما يعني أن هذا المبدأ له مسوغ ونظير في التشريعات المقارنة الدولية والعربية، غير أننا نكاد نجزم أن إقرار هذا الشرط تمَّ لاعتبارات محلية بحتة، لأن القانون الجديد سوريٌ محض (وهذه المسألة لها أهمية بالغة، كون القوانين الرئيسية التي نعمل بها ليست سورية محضة، وهذه ناحية لها سلبيات لا يتسع المجال للحديث عنها الآن)،
وبالرغم من أن عماده الرئيسي كان القانون السابق المستقى من توليفة مصرية لبنانية، لا يمكننا غض الطرف عن أن هذه التعديلات الواسعة جداً، قد قام بها خبراء سوريون، اعتمدوا على مصادر سورية بحتة من مخزون الاجتهادات المتراكمة للقضاء السوري، أو الرأي القانوني الحصيف. مع التحفظ طبعاً على بعض الأخطاء الارتجالية التي اكتنفها القانون.
لذلك نستطيع القول: أن الشرط الجديد فرضته الحاجة المحلية العمليّة، وليس القانون النظري المقارن.
في الواقع لم تُنشر محاضر جلسات واجتماعات هذه اللجنة أو غيرها حتى يتسنى لنا معرفة الأسباب الرئيسية التي تكمن خلف إقرار هذا المبدأ وغيره في القانون الجديد، لذلك –وحتى تنشر محاضر اجتماعات اللجان التي وضعت القانون- ونظراً لكون هذا الشرط لم يتم إقراره سنداً لاجتهاد مستقر، أو رأي فقهي محلي، أو نقاش قانوني معلن ومنشور، لا مناص أمامنا من الدخول في متاهة التكهن والاستنتاج حول الأسباب التي تقف خلف إقراره، والتي قد تخطئ وقد تصيب،
وعليه نقول التالي:
هذا الشرط الجديد تم إقراره لأول مرة من قبل لجنة وزارة العدل التي أعدت المشروع، والمكونة في سوادها الأعظم من السادة القضاة الذين هم على احتكاك دائم مع المحامين،
ومن الملاحظ أن النهج العام الذي التزمته هذه اللجنة في المشروع، تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام المتقاضين، وتذليل العقبات التي تواجه القضاة في عملهم عند البتّ في النزاعات، وعلى ما يبدو أن الشرط الجديد يصب بالمنحى الثاني.
ومن المسلم به أن محكمة النقض محكمة قانون وليست محكمة موضوع، وهي عندما تنظر بالطعون تتقيّد بالنواحي القانونية التي أثارها الطاعن فقط، لا تستطيع تجاوزها والنظر بمسائل قانونية أخرى لم يثرها، إلا إذا كانت من متعلقات النظام العام، ناهيك عن أنها لا تنظر بدفوع موضوعية نهائياً.
وعلى ما يبدو أن السادة قضاة محكمة النقض (أعضاء اللجنة التي أعدت مشروع القانون) بخبرتهم الطويلة بالقضاء أثاروا مشكلة الطعون التي تردهم من الأساتذة المحامين، والتي ترتكز على دفوع موضوعية لا تختص بنظرها أصلاً، أو ترتكز على أسباب قانونية ثانوية، وتهمل أسباباً أخرى أكثر أهمية، أو غير ذلك من المخالفات المرتكبة في الطعون المعروضة عليهم، والتي تتسبب بضياع حقوق الناس جراء الرعونة بتقديمها.
ويبدو أن نقاشاً دار بين أعضاء اللجنة حول هذه المشكلة، لتحليل أسبابها وسبل تلافيها، فتوصلت لنتيجة منطقية تفيد بأن السبب فيها يعود لقلة الخبرة والمعرفة القانونية لدى المحامي مقدم الطعن، وبالتالي فمن المنطقي أن يكون الحل السديد لها هو اشتراط سنوات أطول من الخبرة القانونية لتقديم الطعن.
ولما كان جوهر الطعن بطريق النقض هو تجريح قانوني لحكم قضائي صادر عن محكمة الاستئناف مؤلفة من مستشارين لهم خبرة في العمل القانوني لا تقل عن 15 سنة في العمل القانوني،
وحيث أن هذا الطعن سيعرض على محكمة تعتبر في سدة الهرم القضائي، مؤلفة من مستشارين لهم خبرة في العمل القانوني لا تقل عن ربع قرن.
فمن البديهي أن يرفع هذا الطعن من رجل قانون لديه خبرة به تتجاوز سنتين أو ثلاث أمضاها في التمرين.
لذلك فإن المبدأ الجديد من هذا المنظور –بغض النظر عن مقدار هذه الخبرة- له منطقه المستساغ.
وفي هذا الصدد، نود التنويه أن النقاش القانوني الذي أثاره هذا الشرط الجديد يعتبر ظاهرة صحية وإيجابية من حيث المبدأ، ولكن الشيء السلبي فيه أن معظم الآراء التي انتقدته تحمل سمة عاطفية وانفعالية لا تصبّ في صالح من ينتقده، وإنما في صالح من وضعه، لأن قانون أصول المحاكمات يعنى بإيصال الحق لصاحبه، ولا يعنى بتأمين فرص عمل للمحامين الجدد،
ومن زاوية أخرى أيضاً:
لابد من الانتباه أن هذا الشرط الجديد يعتبر من حيث الجوهر إخفاقاً لفروع نقابة المحامين الذين يمنحون لقب أستاذ بالمحاماة لأشخاص لم يثق المشرع بكفاءتهم في تقديم طعن بالنقض، فتدارك الخلل باشتراط هذه الخبرة الطويلة نسبياً.
لا سيما وأن المشرع في العام 2008 سبق أن أعطى إشارة في هذا الشأن عندما أصدر قانون الشركات رقم 3 واشترط فيه على المحامي الذي يقوم بتنظيم عقد شركة، أن يكون له خبرة لا تقل عن 5 سنوات كأستاذ،
فلم تتلقف فروع نقابة المحامين هذه الإشارة، ولم تعمل على إعادة النظر بمؤسسة التمرين وتطوّرها بوضع ضوابط ومعايير صارمة لمنح لقب أستاذ في المحاماة، حتى تستعيد ثقة المشرع المفقودة به، وبقيت على ضوابطها السابقة الرخوة في منحه.
للبحث صلة إن شاء الله .....