سنورد عدد مما ورد لدي من بحوث في الوقف والاوقاف في سورية قانونيا وشرعيا نامل الفائدة والتوفيق لكم وللزميلة التي طلبت معلومات عن البحث هذا علما ان هذا البحث يتضمن عدة مشاركات متتالية
الواقع التشريعي للأوقاف في الجمهورية العربية السورية
لا يكاد الواقع الفعلي للأوقاف (1) في معظم البلدان الإسلامية يخلو من منغّصاتٍ ومشكلاتٍ تعيق بعض الجوانب العملية و الأدائية لنظام الأوقاف ، ولذلك أسبابٌ كثيرةٌ تتفاوت في أهمّيتها ، وتتفاوت تبعاً لها خطورة النتائج المتمخّضة عنها . وسنعرّج في نهاية البحث إنشاء الله على ذكر أهمّ الأسباب والظروف التي تؤثّر في أداء الأوقاف وفي مستويات كفاءتها ودرجات نجاحها في تلبية الأهداف المطلوبة ، وتحقيق الفائدة المرجوّة والنفع المنشود منها .
وبرأينا أنّ أهمّ الأسباب التي أثّرت سلباً في مدى فاعليّة نظام الأوقاف ، هو عدم استقلال مؤسّساته ، وارتباطها أو بالأحرى ربطها قسراً لدى كثيرٍ من الحكومات والأنظمة ، بمؤسّسات الدولة ووزاراتها ومديريّاتها الحكومية ، بالشكل الذي أدّى مع مرور الزمن وانقراض الواقفين ومن بعدهم طبقاتٌ عديدةٌ من المستحقّين إلى صيرورة الاستحقاق في أغلب الأحيان إلى الدولة نفسها ممثّلةً بهيئةٍ تابعةٍ للحكومة أو وزارة من وزاراتها (2) .
ما يخالف الأصل الشرعي لوجود الأوقاف ، والذي يستند أساساً إلى مجموعة الشروط المعتبرة للواقفين الذي أنشؤوا هذه الأوقاف ، كما ويعتمد على صحّة الشروط والأركان والعناصر والمقوّمات الأخرى التي تُعطي للأوقاف طبيعتها المطلوبة ، وتمنحها شرعيتها ، وتضمن لمؤسّساتها الكفاءة وحسن الأداء . ويُلاحَظ أنّ عدداً كبيراً لا يستهان به من المؤسّسات والعقارات الوقفية على تنوّعها واختلاف أغراضها في العالمين العربي والإسلامي ، تعود للحقبة العثمانية التي امتدّت طوال أربعة قرونٍ ومضى على انحسارها ما يقارب قرناً من الزمان ، ما يجعل من الصعوبة بمكانٍ مراجعة الوقائع الحقيقية لإنشائها ، دون الحصول على صكوك الحجج الوقفية التي أنشأتها ، وإن كان ذلك متيسّراً في العديد من الأوقاف المتميّزة أو المشهورة ، إلا أنّ أغلب المؤسّسات الوقفية الأخرى وخاصّةً المتوسطة والصغيرة منها ، قياساً لحجم ما تؤدّيه من خدماتٍ أو تدرّه من ريوعٍ ، فإنّه من المتعذّر حقاً معرفة الهدف الحقيقي من إنشائها استناداً لنصّ شروط الواقفين الذين لم يعودوا معروفين أصلاً في حالاتٍ كثيرةٍ جدّاً .
خاصّةً وأنّ الكثير من التشريعات الوقفية الحديثة في عالمنا الإسلامي ذهبت بعد إحصاء هذه الشريحة من المؤسّسات الوقفية إلى تمليكها للدولة ، ممثّلةً بوزارةٍ أو مديريةٍ مختصّةٍ تحت اسم وزارة أو مديرية الأوقاف ، دون أن تُعرَف هويّة المالك الحقيقي ولا شروطه التي أنشأ وقفه بناءً عليها ، ومع أن ذلك لم يكن متعذّراً أصلاً ، إلا أنّ الإهمال المقصود أو غير المقصود تارةً واتّجاه النيّة إلى إلحاق هذه الأوقاف بملكيّة الدولة تارةً أخرى ، استيلاءً هدفه تحقيق مآرب الحكومات في المؤسّسات الوقفية بعيداً عمّا يجب أن يكون ، وهو اعتبار شروط الواقفين واحترامها وإعمال العمل بها ، لأنّ غير ذلك يعني بدون أدنى شكٍّ مخالفةً لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها المقرّرة في إنشاء الأوقاف ، من خلال عدم احترام المكانة البالغة الأهمّية لشروط الواقفين وضوابطهم .
وبالنسبة للجمهورية العربية السورية ومع أنّنا لسنا بصدد تقديم قراءةٍ أو دراسةٍ حول التشريع السوري في مجال الأوقاف " على فرض وجوده " ، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى بعض النقاط ، وتوجيه العناية إليها ، قبل البدء في تحليل ودراسة أحد النماذج الوقفية في سورية بسبب ما أفرزته من آثارٍ خطيرةٍ .
فالتشريع السوري في مجال الأوقاف تشريعٌ نعدّه الأضعف بين مجموعةٍ كبيرةٍ من التشريعات الإسلامية والعربية الحديثة التي طالعناها ، بل إنّه ليكاد لا يعدو كونه مجموعةً من القوانين والقرارات المتفرّقة هنا وهناك ، إضافةً إلى مرسومين تشريعيين أحدهما صدر لإلغاء الأوقاف الذُرّية والآخر للتعريف بالوقف الخيري الإسلامي ولتشريع الاستيلاء الحكومي عليه ، والجميع بحاجةٍ إلى مراجعةٍ وتعديلٍ كبيرين إن لم نَقُلْ لإلغاءٍ وتبديلٍ .
وأسباب ذلك كثيرةٌ أهمّها ما ظهر جليّاً من ناحية المخالفة الشرعية الواضحة لكثيرٍ من الأحكام والفتاوى الفقهية المتّفق عليها ، ومنها مسألة إلغاء الأوقاف الذُرّية وإنهاء ولاية المتولّين عليها بقانونٍ وضعيٍ (3) ، دون توضيح الأسباب الموجبة لذلك أو تقديم حججٍ معقولةٍ لهذا الإجراء ، مع أنّه لا يوجد سندٌ تشريعيٌ أو اجتهادٌ فقهيٌ معروفٌ ومعتمدٌ على ما نعلم ، يقرّ أو يؤيّد ذلك .
ومن ذلك أيضاً وعلى سبيل المثال وهو نموذجٌ صارخٌ في مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية ، المادّة الرابعة من المرسوم التشريعي رقم 128 وتاريخ 11/6/1949 والتي تنصّ على أنّه : ( لمديرية الأوقاف العامّة أن تدير الأوقاف الخيرية على الصورة التي تحقّق مصالح المسلمين العامّة ، وجهة الخير التي أرادها الواقف دون التقيّد بشروطه ) ! (4) . ناهيك عن أنّ قيام الدولة ممثّلةً بوزارة الأوقاف أو أيّة جهةٍ أخرى باتّخاذ صفة الولاية والإدارة على الأوقاف جبراً ، ليس إلا خرقاً واضحاً لأحكام الوقف الشرعية ، التي تعطي للواقف حقّ تولية الناظر من ضمن الشروط التي يرغب بوضعها في وقفه ، بل التي أوقف وقفه بناءً عليها مع ثقةٍ منه بأن شروطه هذه معتبرةٌ ومحقّقةٌ .
كلّ ذلك أدّى إلى ضعف الثقة لدى الراغبين في إنشاء الأوقاف الخيرية في سورية منذ صدور قانون الوقف الخيري الإسلامي " الذي لا نراه إسلامياً " ، وغيره من التشريعات الوقفية المربكة والمريبة في الوقت ذاته ، كيف لا وهذا القانون ينصّ في مادّته الثانية على أنّ مديرية الأوقاف العامّة وفروعها في المحافظات هي من يتولّى إدارة الأوقاف الخيرية ، ولا يجوز " في الفقرة الثانية من نفس المادّة " أن يشترط الواقف التولية لأحدٍ في الأوقاف الخيرية التي تنشأ بعد صدور هذا المرسوم " أي في العام 1949 " وإلا اعتُبر الشرط باطلاً ! (5) ، أي أنّ الوقف يصحّ فتضع الدولة ممثلةً بجهةٍ حكوميةٍ يدها على هذه الأوقاف ، ثم تلغي شرط التولية الذي اشترطه الواقف ، وبعدئذٍ تقوم بإدارة الأوقاف على الصورة التي تحقّق مصالح المسلمين العامّة وجهة الخير التي أرادها الواقف " من وجهة نظر وزارة الأوقاف دون تقيّدٍ بشروطه الأخرى " كما تنصّ المادّة الرابعة المذكورة من نفس القانون .
ولذلك لم نعثر على أيّ وقفٍ خيريٍ حقيقيٍ بعد هذا العام في كلّ المحافظة التي نقطن فيها ، بل وفي كلّ المحافظات الأخرى ! . ولا غرابة في ذلك .. لأنّ شروط الواقفين غير معتبرةٍ لدى مديرية الأوقاف العامّة التي أصبحت وزارةً في العام 1961 ، وبقي عدم اعتبار هذه الشروط قائماً ، ولو كانت معروفةً من قبل هذه الجهة التي ولّت نفسها على الأوقاف بموجب قانونٍ وضعيٍ خالف في هذه الناحية الأصول الشرعية المتّبعة كما خالفها في نواحٍ كثيرةٍ أخرى ، فأفرغ الأوقاف التي كانت قائمةً من محتواها الشرعي ، وأدّى إلى إضعاف الثقة لدى الراغبين في إنشاء الأوقاف بعد صدور هذه التشريعات التي منعتهم من الاشتراط ، وجعلت للدولة حقّ التصرّف والإدارة والاستغلال للأوقاف ، بدون رقيبٍ أو حسيبٍ بل بدون أيّ وجه حقٍّ .
والغريب في الأمر أنّ قرار إنشاء المجلس الأعلى للأوقاف في سوريا عام 1921م قضى بأنّ " الذين وقفوا الأوقاف من المسلمين إنما قصدوا بذلك الخير والتقوى ، فأوقافهم هي دينيةٌ إسلاميةٌ محضةٌ ، وبما أن " الشريعة الإسلامية تقضي بأن تُصرف إيراداتها طبقاً لشروط الواقف " وبما أنّ الأوقاف الإسلامية هي ملك المسلمين ، وأنّ المراقبة عليها ليس لها أسبابٌ إلا ما تقتضيه منافع المسلمين ، لذا يجب المحافظة على استقلالها وخصوصيّاتها وأن يقوم على شؤونها أناسٌ مقتدرون".
ولذلك فإنّه من المؤسف حقّاً أن ينشأ هذا الوضع التشريعي الشاذّ للأوقاف في بلدٍ عرفتِ الأوقاف الخيرية منذ عهدها بالإسلام ، وبأشكالٍ على غايةٍ من الأهميّة والتنوّع والغِنى في أصناف مؤسّساتها الوقفية التي سادت في بلاد الشام على مرّ عصور الإسلام ابتداءً من الحقبة الأموية .
والتاريخ يخبرنا عن أنواعٍ وأشكالٍ من الأوقاف الخيرية عرفتها هذه البلاد ممّا لم تعرفه مؤسّسات الخير والنفع العامّ الموجودة في بلدان العالم المتقدّم حتّى وقتنا الراهن ، وقد ذكرنا بعضها في الفصل الأوّل من الباب الأوّل لهذا البحث .
وبالتحرّي والبحث في سجلات القضاء الشرعي بدمشق ، عن نماذج للأحكام القضائية الصادرة بإنشاء الأوقاف ، وجدنا أنّه ومنذ التسعينيات من القرن الماضي استقرّ العمل القضائي على تجاوز أحكام الشريعة في إنشاء الأوقاف وإشهارها .
فبعدما كان الوقف يَثبُت بواسطة الحجج الوقفية التي يُنشئها الواقفون أو بشهادة الغير إن لم يوجد حججٌ وقفيةٌ مكتوبةٌ ، وجدتِ المحاكم الشرعية دون مبرّرٍ مقبولٍ بعض صعوبات في إكساء أحكامها الصادرة بتثبيت الأوقاف صيغة التنفيذ (6) .
فمرّةً كانتِ الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية تنصّ على إلزام أمانة السجلّ العقاري في دمشق بتسجيل الأوقاف التي صدرت الأحكام بتثبيتها باسم مديرية الأوقاف في دمشق ، ومرّةً كانت هذه الأحكام تصدر دون هذا النصّ ، ممّا جعل مديرية الأوقاف نفسها تقوم عن طريق ممثّلها القانوني باللجوء إلى المحاكم المدنية طالبةً إكساء الأحكام الشرعية بإنشاء الأوقاف صيغة التنفيذ وإلزام أمانة السجلّ العقاري بتسجيل العقارات الموقوفة باسم المديرية .
ولذلك جرتِ العادة بعد ذلك على قيام الواقف " الذي لم يعد واقفاً في هذه الحالة " بالتبرّع إلى مديرية الأوقاف مباشرةً أو بحكمٍ قضائيٍ (7) ، وقد يَشترط أن يكون العقار مسجداً أو مستوصفاً أو مدرسةً أو غير ذلك ، وهذا ليس وقفاً بطبيعة الحال .. وإنّما هو هبةٌ مشروطةٌ ! .
وإذاً فإنّ القضاء السوري سار أيضاً في طريق مخالفة أحكام الوقف الشرعية ، متذرّعاً بالقانون الذي أطّر أحكام الأوقاف في سورية فأفرغها من محتواها ، وخالف مضمون الوقف وتشريعه الإسلامي .
ويؤكّد الواقع الحالي للأوقاف في مدينة دمشق وجميع المحافظات السورية على أنّ جميع الوقفيّات الموجودة في القطر العربي السوري هي مجرّد عقاراتٍ تعود ملكيّتها لمديريّات الأوقاف في المحافظات ، وتخضع لأحكام الباب السابع من قانون تنظيم وزارة الأوقاف في سورية ، ويتضمّن هذا الباب أحكام إيجار العقارات الوقفية ، وطرق جباية وتحصيل أجور هذه العقارات ، ويحدّد الباب الثامن من نفس القانون المسائل والشؤون المالية للأوقاف ، فيما يتعلّق بالنفقات عليها وطرق توزيع مصارفها ووارداتها ، ويتمّ هذا التحديد بموافقة المجلس الأعلى للأوقاف أو وزير الأوقاف ، فيبقى لموظّفي الحكومة المعيّنين تعييناً كلّ الصلاحيّات التي تخوّلهم بالتصرّف والإدارة المالية للأوقاف بعيداً عن الاعتبارات الشرعية المعروفة في إنشاء الأوقاف وتنظيم عملها وتحديد مصارفها وفق ما تمّ إنشاؤها لأجله ، وبعيداً عن شروط واقفيها الأصليين وضوابطهم المقرّرة ، ونأياً بنظام الأوقاف عن هدفه ومضمونه وحكمته وقواعده وأحكامه الشرعية (
.
وإن كنّا قد أطلنا في سرد بعض جوانب واقع الأوقاف العملي في سورية ، فلأنّنا أردنا الوقوف على هذا الواقع وبيان بعض ظروفه غير المطُمئِنة ، قبل أن نخوض في دراسةٍ أو تحليلٍ لإحدى المؤسّسات الوقفية في سورية ، كي نوضّح بعضاً من ملامحه التشريعية والإدارية والتنظيمية ، وعسى أن نضع لبنةً صغيرةً في طريق بناء التشريع الوقفي في سورية وغيرها من دول العالمين العربي والإسلامي ، كما نتمنّى أن يكون هذا البناء .
وقد آن الأوان لتنظيم تشريعٍ موحّدٍ يُعنى بمضمون هذا النظام العريق ، ويلتفت إلى كلّ جانبٍ عمليٍ وتشريعيٍ فيه ، ليحقّق الأهداف التي شُرّع من أجلها هذا النظام ، وبأعلى درجةٍ ممكنةٍ من الكفاءة ، وبما يثري الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المتنامية لشعوب الأمّة الإسلامية ، ويحفّز دور الأوقاف في النهوض بها على مختلف المستويات الإنسانية والحضارية .
.........................................................................
هوامش :
1- آثرنا أن نستعرض بعض جوانب هذا الواقع ، قبل أن نعرّج على دراسة أحد النماذج الوقفية ، كي نوضّح بعض المعالم التي يتّصف بها المحيط التشريعي للأوقاف في سورية ، باعتبار أن النموذج الوقفي الذي اخترنا تحليله وإجراء الدراسة بشأنه ، هو أحد الأوقاف الخيرية النادرة في سورية بسبب طبيعة المحيط التشريعي الذي يحكم الأوقاف في هذا القطر .
2- يقول الدكتور وهبة الزحيلي : ( وزارات الأوقاف لم تقم بما يجب عليها من دورٍ مطلوبٍ في رعاية الأوقاف وإنّما كان موظفوها أدواتٍ طيّعةٍ في توجيهات بعض رجال الحكم في الكثير من الدول العربية والإسلامية فأهدروا الكثير من أموال الوقف ، وحاولوا إضعاف الوقف وحاولوا سلخ الأوقاف عن مهامّها الإنسانية والاجتماعية والتعليمية ، وإن إضعاف الأوقاف والكثير من ممتلكاتها ، كان ذلك من تدخّل الدول في هذا الشأن وكانت وزارة الأوقاف هي الأداة لتنفيذ هذه المخطّطات إما بحسن نيّةٍ أو بسوء قصدٍ ) - حوار مع الدكتور وهبة الزحيلي – منشور في موقع إسلاميات الإلكتروني .
3- المرسوم التشريعي رقم 76 وتاريخ 16/5/1949 القاضي بإلغاء الوقف الذُرّي والمشترك ، وحلّ الأوقاف الذُرّية المشتركة وتصفيتها .
1- قانون الوقف الخيري الإسلامي في الجمهورية العربية السورية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 128 وتاريخ 11/6/1949 ، ويتألّف من ثمان موادّ .
4- وتنصّ هذه المادّة أيضاً على أنّه : ( يجوز للواقف أن يشترط التولية لنفسه مادام حياً ، أو لإحدى الجمعيات الإسلامية الدينية والخيرية أو التعليمية المعترف بها رسمياً . وفي هذه الحال وجب على ممثّلي الجمعيّات المذكورة الاستحصال على إجازةٍ خاصّةٍ بممارسة شؤون الوقف بعد تسجيل الوقفيات وأسناد التمليك وجميع الوثائق الثبوتية المتعلّقة بالوقف في دائرة أوقاف المحافظة وتقديم الحساب السنوي عليه من مجلس الأوقاف المحلي ) ، وهذا يعني من الناحية العملية وضع يد دوائر الأوقاف الحكومية على الأوقاف الخيرية حتى وإن تولّتها الجمعيّات الخيرية ، فيكون لهذه الدوائر تملّك الوقف وحقّ الإدارة المالية له ، ما يعني بالنتيجة السيطرة التامّة عليه وعلى مقدّراته ومصارفه .
5- كان بعض الواقفين يحاولون الرجوع عن أوقافهم ، لأنّ مديرية الأوقاف لم تلتزم بشروطهم ، بالرغم من حصولهم على وعودٍ من المعنيين في المديرية أو في وزارة الأوقاف بالالتزام بهذه الشروط ، وكانت المديرية أو الوزارة بعد تثبيت الأوقاف أمام المحكمة الشرعية ، أو بعد انتقال ملكيّتها ، تتمسّك بنصّ المادّة الرابعة من قانون الوقف الخيري المنوّه عنها والتي تبيح لمديرية الأوقاف التصرّف بالوقف دون التقيّد بشروط الواقف ، وقد أدّت جهالة بعض الواقفين بهذا القانون غير الشرعي إلى لجوئهم بعد ذلك إلى القضاء ، محاولين التملّص من التزامهم بإنشاء الوقف ، بسبب رغبتهم في شروطٍ معيّنةٍ لم تُعرها مديريّات الأوقاف أيّ اهتمامٍ متذرّعةً بالقانون المذكور .
ومن جانبٍ آخر كان جزءٌ كبيرٌ من الدعاوي السابقة والقائمة حتى الآن ، أطرافها ورثة الواقفين الذين تذرّعوا ببيوعٍ جرت لمصلحتهم من قِبَل الواقفين قبل الموت ، أو بسبب قيام الواقف بإنشاء الوقف وهو في مرض الموت ، أو لعدم وجود صكٍّ مكتوبٍ كما في الحالات التي كانت المحاكم الشرعية تقبل إثبات إنشاء الوقف أمامها بالشهادة .
6- في حالة الهبة أو التبرّع المباشر يقوم المالك وممثّلٌ قانونيٌ لمديرية الأوقاف بالحضور أمام الموظّف المختصّ في السجلّ العقاري ويطلب تسجيل العقار باسم مديرية الأوقاف ، فيقرّ بانتقال ملكيّته لها ، فتنتقل هذه الملكية على صحيفة العقار لصالح المديرية .
7- وهو القانون الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 204 وتاريخ 14/12/1961 .
8- تملك مديرية الأوقاف في إدلب البناية التجارية التي يقع فيها مكتب المحاماة الذي نكتب فيه هذا البحث ، وتخضع البناية المؤلّفة من ستّة مكاتب مختلفة الأغراض وحانوتين تجاريين ، لأحكام المادّة 65 من قانون تنظيم وزارة الأوقاف في سورية ، وهي المادّة المتعلّقة بإيجار العقارات الوقفية ، ويتمّ هذا الإيجار عن طريق المزايدة العلنية بالنسبة للأفراد ، وأمّا بالنسبة لدوائر الدولة ومؤسّساتها العامّة ، فيتمّ تعيين بدل الإيجار بالاتفاق بين الطرفين ( أي بين مديرية الأوقاف و المديرية الحكومية المستأجِرة ) ، ويحدّد مجلس الأوقاف هذا البدل بالاعتماد على خبراء ينتخبهم لهذه الغاية ( والحقيقة أنهم يعيّنون تعييناً ) ، وينظّم عقدُ بهذا الخصوص خاضعٌ لتصديق وزير الأوقاف ! .
ومع هذا فإنّ الأجرة الشهرية التي يدفعها كلّ مكتبٍ لا تتجاوز 1200 ليرة سورية أي ما يعادل 27 دولار أميركي و سبعة دنانير كويتية ، ويبلغ بدل إيجار المكاتب المشابهة والمجاورة في نفس المنطقة خمسة أضعاف هذا المبلغ لكلّ مكتبٍ ، ويبقى المستأجر في العقارات الوقفية المؤجّرة بهذه الطريقة طيلة حياته ، وينتقل حقّ الانتفاع بها إلى ورثته ، ويمكنه حال حياته التنازل عن هذا الحقّ للغير مقابل المبلغ الذي يتّفقان عليه ، وعلى أن يؤدّي المستأجر الجديد لمديرية الأوقاف مبلغاً من المال تحت مسمّى " هبة " ، وتزيد المديرية عندئذ بدل الإيجار بواقع 10% تقريباً على البدل القديم .
جزء من بحث بعنوان : الوقف ومقاصد الشريعة - المحامي محمد صخر بعث