I
المبادئ الجديدة في قانون أصول المحاكمات /1/ لعام 2016 (9)-----------------------------------------------------------------
في شطب الدعوى:
ما خلا وجوب ترقين إشارتي الدعوى والحجز تلازماً مع شطب الدعوى، لم يعالج القانون الجديد أياً من مشاكل الشطب التي نواجهها دائماً، والتي تتضارب فيها الاتجاهات من محكمة لأخرى، كالمدّة التي يجب فيها انتظار الأطراف لتجديد الملف المشطوب بعد التبليغ قبل ترقين الإشارة، بحسبان أن ما درجت عليه المحاكم من الانتظار 15 يوماً، قياساً على مدة استئناف القرار، ليس له سند في القانون، ويعتبر قياساً فاسداً، إذ لا يتصور استئناف قرار شطب صادر عن غرفة المخاصمة أو عن محكمة النقض عندما تنظر بدعوى بوصفها محكمة موضوع كما نص القانون الجديد، لمحكمة أدنى منها درجة، فما هي مدة تجديد الدعوى المشطوبة بعد التبليغ أمام هاتين المحكمتين؟؟ كانت ومازالت هذه المنطقة غامضة في القانون.
وكوجوب تبليغ المدعى عليه في الدعوى المشطوبة التي لم يتم الشروع بالمحاكمة بها من عدمه،
أو توجيه الكتاب بترقين الإشارة مباشرة من المحكمة للسجل العقاري بدون المرور بدائرة التنفيذ وفتح ملف تنفيذي، كما يتم عادة حين وضعها، إذا كان ترقينها تمّ بناء على طلب من وضعت لمصلحته
وغيرها من مشاكل معروفة، وهذا أمر مستغرب من المشرع فعلاً.
ولكن المشرع عدَّل في القانون الجديد المصطلح القائل بأن شطب الدعوى يعتبر (إبطال) لاستدعائها، وجعله (إلغاء) لاستدعائها (المادة 120) وهو تعديل لفظي أكثر دقة،
وقضى أيضاً بنفس المادة أنه يترتب على الشطب:
ترقين اشارتي الدعوى والحجز الاحتياطي (بحكم القانون)،
سريان هذا الحكم على الشطب أمام محكمتي الاستئناف والنقض عندما تنظر بالدعوى بوصفها محكمة موضوع.
وفي الواقع هذا الترقين يثير الإشكالات التالية:
أولاً:
لئن كنّا نقدِّر فعلاً أهمية وحكمة وجوب ترقين إشارة الدعوى تلازماً مع شطب استدعاء الدعوى،
غير أننا نسجل تحفظاً بالغاً على النص بوجوب ترقين إشارة الحجز الاحتياطي أيضاً، إذ لا يجوز قياس ومساواة إشارة الدعوى بالحجز الاحتياطي مطلقاً، لأن الإشارة توضع على صحيفة العقار بقوة قانون السجل العقاري، يقصد منها إعلام الغير وجود دعوى على العقار،
وبالتالي يغدو منطقياً ترقين الإشارة عند شطب الدعوى طالما ألغي استدعاء الدعوى،
بينما الحجز الاحتياطي في جوهره: (وسيلة وضعها المشرع بيد كل دائن يتوسل فيها المحافظة على حقه المهدد بالضياع إذا توفرت لديه الشروط المبينة في المادة 312 أصول) "نقض-ق134-تا 2/ 3/ 1963-العطري-قا1691"
وطالما أن المادة نفسها من القانون ذات الرقم 120 تنص بأن الشطب لا يسقط الحق ولا الادعاء به فمن غير المنطقي رفع الحجز وتهدد الحق بالضياع لمجرد الشطب.
فضلاً عن أن وضع الإشارة بالأصل من أعمال الديوان لا يوجد فيه أية سلطة تقديرية للقاضي، بينما الحجز الاحتياطي يصدر بحكم قضائي بعد استيفاء كفالة تجبر الضرر المحتمل في حال كان الحاجز متعسفاً،
فإذا كان من الجائز ترقين إشارة وضعها الديوان بقوة القانون، فلا يجوز للقانون نفسه إلغاء حكم قضائي، لأن الحكم لا يلغى إلا بحكم قضائي مماثل، وهذا الأمر من متعلقات مبدأ فصل السلطات الدستوري،
من جهة ثانية تجدر الإشارة أن الحجز الاحتياطي الذي يلقى على العقار، نوعين:
1 - حجز احتياطي ناجم عن حق شخصي أو دين مترتب بذمة مالك العقار (كأن يكون مديناً بمبلغ للحاجز).
2 – حجز احتياطي ناجم عن حق عيني متعلق بالعقار المحجوز نفسه (كأن يكون مالك العقار باعه للحاجز).
وهذا النوع الثاني يدعى (حجز استحقاقي) يعرفه المرحوم نصرة منلا حيدر بأنه:
((هو الحجز الذي يوقعه مالك المنقول أو العقار، أو صاحب الحق العيني عليه أو صاحب حق الحبس فيه، في يد حائزه تمهيداً لاستلامه منه، وهو يدخل في مفهوم الحجز الاحتياطي غير أنه يختلف عنه بأنه لا يهدف إلى بيع المال لأجل وفاء دين الحاجز، بل إلى إعادته إلى صاحب الحق فيه))
وفي الواقع هذا الحجز الاستحقاقي هو الذي استقر الاجتهاد القضائي على أنه يغني عن إشارة الدعوى، ووجوده على صحيفة العقار هو الذي يثير أغلب المشاكل التي تواجه المتقاضين، مما كان يجدر بالمشرع لحظ هذا النوع والإشارة له على الأقل.
ولعل تجاهل المشرع البتّ بمصير الكفالة المدفوعة مقابل وضع إشارة الحجز على صحيفة العقار، والتي قد تصل لنسبة مئوية من ثمن العقار، فطالما أنه بتَّ بمصير الحجز بدون ترك سلطة تقديرية في ذلك للقضاء، يغدو من غير المنطقي عزوفه عن البتّ بمصيرها وترك أمرها للقضاء. مما يدلُّ على تسرع وعدم تبصر للآثار الناجمة عن المبدأ الجديد الذي استحدثه.
ثانياً:
الإشكال الثاني الذي تثيره هذه المادة هو سريان أحكام الشطب أمام محكمتي الاستئناف والنقض، وهذا النص الجديد لم يكن له وجود في المادة النظيرة من القانون السابق ذات الرقم 119، ويتمثل الإشكال بالنسبة لمحكمة الاستئناف أن المادة 236 من القانون تعرضت لحالة الغياب، وقضت بترك القضية مدة ستين يوماً يشطب بعدها استدعاء الاستئناف إلى غير رجعة، إذا لم تراجع المحكمة خلالها، وبالتالي لا يوجد داع للتعرض ثانية لنفس الموضوع منعاً لازدواجية الحكم (المربكة) على حالة واحدة في نفس القانون،
أما بالنسبة للشطب أمام محكمة النقض (عندما تكون محكمة موضوع طبعاً)، فقد كان حريّ بالمشرع أن يسير على نفس النهج الذي اختطه لمعالجة الغياب أملم محكمة الاستئناف لجهة ترك القضية مدة من الزمن لفسح المجال أمام الأطراف للمراجعة والسير بالقضية، ثم يتم شطب استدعاء الطعن في حال عدم المراجعة، لا أن يعود لتطبيق أحكام الشطب أمام محكمة الدرجة الأولى من جواز تجديد الملف ثانية عندما يرغب أحد الأطراف بذلك، لأن مراكز الأطراف اختلفت أمام هذه المحكمة فنحن لسنا أمام مدعي بالحق ومدعى عليه، وإنما أمام رابح للدعوى وخاسر لها، إضافة لاختلاف طبيعة الحق ذاته موضوع القضية، فمحكمة الدرجة الأولى تنظر في حق محتمل الوجود يمكن التساهل بالشطب والتجديد أمامها، بينما محكمة الدرجة الثانية وكذلك محكمة النقض فهي تنظر بحكم قضائي تم الطعن به وتجريحه، مما يقتضي التعامل بصرامة أكثر مع الأطراف في حال الغياب.
ناهيك عن جواز الطعن بقرار الشطب لخطأ في تطبيق القانون (المادة 121 من القانون الجديد)، فأين يتم الطعن بقرار الشطب الصادر عن محكمة النقض ؟؟
مما كان يجدر بالمشرع مساواة الغياب أمام محكمة النقض بذات النهج الذي سلكه بالنسبة لمحكمة الاستئناف.
أما بالنسبة لترقين إشارتي الدعوى والحجز أمام محكمتي الاستئناف والنقض،
فلئن كان يجوز الجدال بجواز هذا الترقين في حالة الشطب أمام محكمة الدرجة الأولى تحت ذرائع شتى، فمما لا يجوز الجدل فيه، تسويغ إقرار هذا المبدأ الخطير من المشرع أمام محكمتي الاستئناف والنقض لأنه ينتهك الحقوق المكتسبة للأطراف بموجب الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى، مما كان يجدر معه بالمشرع ترك معالجة هذا الموضوع لحكمة القضاء وإنصافه.
للبحث صلة إن شاء الله .....
الجمعة يناير 15, 2016 10:09 pm من طرف ﻧﺎﻳﻒ الشيخ