المبادئ الجديدة في قانون أصول المحاكمات /1/ لعام 2016 (13)
------------------------------------------------------------------
في عدم صلاحية القاضي رؤية الدعوى / وردّ القاضي:
تعديل جذري واسع أجراه المشرع في موضوع ردّ القضاة يستحق التنويه والإشادة فعلاً، واستقى معايير دولية في هذا الموضوع نجدها عادة في أنظمة تشكيل المحاكم الدولية،
انتقل المشرع من مبدأ عدم تعلق الأسباب الموجبة لردّ القاضي من النظام العام، حيث كانت تنص المادة 177 من القانون السابق أنه يجب تقديم طلب الرد قبل أي دفع أو دفاع وإلا سقط حق طالبه، وأجاز للقاضي التنحي إذا استشعر الحرج فقط.
فقام بالتميّيز بين حالات اعتبرها من النظام العام، حظر فيها على القاضي النظر بالدعوى حتى لو لم يثرها الخصوم، أو لم يتمَّ ردّه بسببها، وحتى لو قبلوا بها، واعتبر الحكم الصادر عن القاضي في هذه الحالات باطلاً، وأدرجها تحت عنوان (عدم صلاحية القاضي بنظر الدعوى).
وحالات أخرى أخف منها وطأة، لم يعتبرها من النظام العام، أعطى فيها الخصوم حق ردّ القاضي عند تحققها قبل أي دفع تحت طائلة سقوط الحق بطلب الردّ، وأدرجها تحت نفس العنوان السابق (ردّ القاضي).
----------------------------
حالات عدم صلاحية القاضي بنظر الدعوى (المادة 175/ آ)
1 -إذا كان بينه وبين أحد الخصوم أو وكيله قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة.
2 -إذا كان له او لزوجه ولو بعد انحلال عقد الزواج خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجة أحد الخصوم.
يلاحظ في هذه الحالة وجوب أن تكون الخصومة قائمة، أما الخصومة السابقة فتندرج تحت حالة العداوة التي تبيح ردّ القاضي وليس عدم صلاحيته.
3 -إذا كان وكيلا لأحد الخصوم في أعماله الخاصة أو وصياً أو قيّماً عليه.
4 -إذا كان له أو لزوجه أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه أو وصياً أو قيّماً عليه مصلحة مباشرة في الدعوى القائمة.
يلاحظ في هذه الحالة أن المشرع لم يحدد درجة القرابة كما هو معتاد، مما ينصرف للدرجات البعيدة كالقرابة للدرجة الخامسة والسادسة، وهذا سيشكل إرباكاً في القرى والمدن الصغيرة، إذا القاضي فيها ابن البلدة نفسها، حيث القرابة والتزاوج بين أبناء البلدة شائع لدرجة تمنعه من سماع جزء كبير من القضايا.
5 -لا يجوز أن يجتمع في هيئة قضائية واحدة قاضيان أو أكثر تربطهما رابطة الزوجية أو صلة مصاهرة أو قرابة حتى الدرجة الرابعة وإذا وقع الزواج أو المصاهرة أثناء وجود القاضيين في هيئة واحدة فعلى القاضي الأحدث أن يتنحى ويقدم طلبا بنقله.
يلاحظ الحكمة البالغة باستخدام المشرع لعبارة (هيئة قضائية) بدلاً من (محكمة)، لتشمل طيف واسع من كافة المحاكم واللجان ذات الطابع القضائي أيضاً
6 -إذا كان بين القاضي أو ممثل النيابة العامة أو المدافع عن أحد الخصوم صلة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة.
يلاحظ أن قرابة القاضي مع المحامي الوكيل تجعله غير صالح لنظر الدعوى، كذلك إذا كان الوكيل غير محام في الحالات التي يسمح فيها القانون بالمرافعة بدون محام.
7 -إذا كان قد سبق للقاضي أن نظر في الدعوى واتخذ قرارا كاشفا فيها بدرجة قضائية أخرى، أو كان قد ترافع عن أحد الخصوم فيها أو كان خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها.
نلاحظ هنا أن المشرّع لم يجعل القاضي غير صالح لرؤية الدعوى لمجرد أنه نظر فيها بدرجة أخرى وأدار الجلسات فقط (كأن يكون قاض بالاستئناف نظر بالدعوى عندما كان قاض في البداية)، وإنما يجب أن يكون القاضي قد اتخذ قرار يستشف منه شيء من قناعته بالدعوى، وهذا بالطبع لا يشمل القرارات بإبطال مذكرة تبليغ أو الرجوع عن الشروع أو بيان عنوان أحد الأطراف.
وقد نصَّ المشرع صراحة أنه في حال خالف القاضي هذه الأحكام فإن ((عمله يقع باطلا مع مراعاة طرق الطعن المقررة قانونا في الأحوال المذكورة انفا ولو تم ذلك باتفاق الخصوم)) (المادة 175/ ب)
ويلاحظ أن المشرع نص على (بطلان) عمل القاضي وتجنب استخدام تعبير (انعدام) العنيف بالرغم من الخلل بتشكيل المحكمة إذ لا يتصور أن يحكم قاض في الدعوى لمصلحة أو ضد شقيقه أو زوجته مثلاً، وابون شاسع بين البطلان والانعدام كما هو معلوم.
ورسم المشرع طريق التخلص من حالة البطلان هذه بسلوك طرق الطعن القانونية، أما إن كانت حالة البطلان في قاض بمحكمة قرارها مبرم، لابد حينها من إقامة دعوى مخاصمة القضاة سنداً للخطأ المهني الجسيم الذي ارتكبه القاضي غير الصالح بنظر الدعوى، لأن دعوى الانعدام في هذه الحالة غير مضمونة النتيجة بسبب تعبير (البطلان) الذي استخدمه المشرع.
كما أن المشرع قضى بعدم صلاحية القاضي وبالبطلان بالمطلق ولو وافق الخصوم صراحة على حالة عدم الصلاحية بنظر الدعوى.
والأهم من ذلك كله أن القانون الجديد قضى ببطلان (عمل) القاضي وليس (الحكم الذي أصدره) وهذا يشمل أي إجراء اتخذه القاضي بالدعوى مثل الخبرة الفنية وسماع الشاهد والاستجواب ووصف الحالة الراهنة، ويتوجب إبطاله وهدره وعدم الاعتداد به، بما في ذلك أي قرار مستعجل بالدعوى كالحجز الاحتياطي.
-------------------------
حالات ردّ القاضي (المادة 176)
على غرار القانون السابق نصَّ القانون الجديد على حالات ردّ القاضي ليست من النظام العام، يجب على الخصوم إثارتها قبل أي دفع تحت طائلة سقوط الحق بالرد، وهذه الأحكام هي
1 -إذا كان للقاضي أو لزوجه مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الدعوى ولو بعد انحلال عقد الزواج.
2 -إذا كان خطيبا لأحد الخصوم.
3 -إذا وجد بينه وبين أحد المتداعين عداوة.
الملاحظ أن القانون السابق كان ينص على (العداوة الشديدة) ويعد استغناء القانون الجديد عن صفة (الشديدة) يعني أن أي عداوة بين القاضي وأحد الخصوم مهما كانت شدتها موجبة لردّ القاضي، وفي الواقع يعتبر هذا الاتجاه حميداً من المشرع، حتى تكون الأحكام القضائية بعيدة كل البعد عن المظنة والشبهة.
4 -إذا كان أحد المتداعين قد اختاره حكما في قضية سابقة.
5 -إذا كان أحد الخصوم خادما له او اعتاد المؤاكلة مع أحد الخصوم أو مساكنته أو قبول هدية منه.
هذه حالة جديدة التي أضافها المشرع فيها معايير فضفاضة للغاية (المؤاكلة) وملتبسة أيضاً (المساكنة) ومن ذا الذي يساكن القاضي غير زوجه وأولاده؟؟
واضح أن الغاية منها منع القاضي من رؤية دعوى تربطه بأحد أطرافها أية علاقة مهما كان شكلها أو طبيعتها حتى لو كانت بريئة، والغاية النبيلة من ذلك النأي بالأحكام القضائية من أية مظنة سوء تكتنفها، وتحصينها بالحياد التام.
------------------------------
حافظ القانون الجديد على المبدأ الجديد الذي اختطه منذ تعديل العام 2010 وقضى بأنه لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف النظر بالدعوى الأصلية، ولكنه أبدى مرونة في حال قبول دعوى الرد شكلاً فنص بأنه يجب حينها على القاضي او الهيئة المطلوب ردها الامتناع عن النظر في الدعوى الأصلية. (المادة 191/ ب)
وأجاز في هذه الحالة للخصم الآخر طلب ندب قاض أو هيئة بدلاً من الطلوب ردهم وإذا توافرت حالة العجلة قررت المحكمة الناظرة في طلب الرد الندب أصولاً. (المادة 191/ ج)
للبحث صلة إن شاء الله .....