المبادئ الجديدة في قانون أصول المحاكمات /1/ لعام 2016 (34)
-------------------------------------------------------------------
في تسديد ثمن العقار المباع بالمزاد العلني:
كان القانون السابق يتساهل كثيراً، بدون أي مبرر، مع الراسي عليه المزاد لجهة تسديد الثمن، حيث كان يمنحه مهلة عشرة أيام من تاريخ الإحالة القطعية، فإذا لم يدفع يُخطر بالدفع ويمنح مهلة إضافية أيضاً قدرها ثلاثة أيام.
في حين أن قانون المرافعات المصري الذي استمد المشرع السوري معظم أحكام البيع منه، نصَّ في المادة 440 منه بأنه يتوجب على الشاري أن يدفع الثمن في نفس جلسة البيع.
وفي الواقع لم يكن هناك أي مبرر لهذا التسامح بحسبان أن الثمن أحد أركان البيع الذي لا يستقيم العقد بدون تسديده، ويفترض أن يكون الشاري مستعداً لدفعه فور رسو المزاد عليه.
لذلك عَدَلَ القانون الجديد عن نهجه المتراخي السابق، وقرر منظومة جديدة من المبادئ الصارمة التي تكفل تسديداً فورياً للثمن، وترتب تبعات شديدة على النكول، كما تكفل القضاء كلياً على ظاهرة المزايد الطائش، وذلك على النحو التالي:
أولاً:
حظر القانون الجديد إعادة مبلغ التأمين للمشترك بالمزاد، إلا بعد قيام من رسا عليه المزاد، بتسديد الثمن في صندوق الدائرة. (المادة 407/ و)
ولابد من الاعتراف أن هذه الخطوة لها منطقها السائغ، كونها تهدف إلى إلزام المشترك بعرض الشراء الذي تقدم به في حال نكول الراسي عليه المزاد عن السداد، أو خشية أن يكون مزاوداً طائشاً، في حال لم يتقدم بأي عرض شراء، فيجازى باحتباس التأمين حتى سداد ثمن المبيع، مع العلم أن مبلغ التأمين كبير نسبياً يناهز نصف القيمة المقدرة للعقار،
وبناء على هذا المبدأ الجديد، أصبح للمشترك الذي لم يرسُ عليه المزاد، مصلحة جديّة بإتمام البيع حتى يحرر مبلغ التأمين الذي دفعه!
لذلك يؤخذ على النص أنه لم يراع احتمال تلكؤ الدائن بمتابعة السير بالإجراءات، لسبب أو لآخر، كأن تكون هناك مساعٍ للمصالحة بين الأطراف، فيلحق ضرر بالمشتركين المحتبسة أموالهم لحين اكتمال بيع العقار، وكان يفترض بالمشرع أن يلحظ هذه الناحية ويمنح المشارك مودع التأمين بعض الصلاحيات بتحريك الملف في هذه الحالة، وإن كنت أعتقد أن التطبيق العملي سيتدارك هذا القصور التشريعي.
ثانياً:
يلتزم من رسا عليه المزاد أن يؤدي باقي الثمن في يوم العمل التالي لتاريخ الإحالة تحت طائلة اعتباره ممتنعاً عن إكمال الثمن دون الحاجة إلى اعذار (المادة 407/ آ)
أي أن نكول الراسي عليه المزاد، عن تسديد الثمن فوراً خلال يوم العمل التالي، يؤدي لاعتباره مزايداً طائشاً بقوة القانون، دون حاجة لتبليغ او إعذار، وسيرتب عليه تبعات شديدة تتمثل بإلزامه بدفع الفرق بين السعر الذي رسا عليه المزاد، والسعر الذي دُفع ثمناً للعقار فيما بعد.
ثالثاً:
كل شخص اشترك بالمزاد، وتقدم بعرض للشراء، يلتزم بعرضه للرجوع عليه بالسعر الذي عرضه، وإحالة العقار لاسمه، في حال تخلف الراسي عليه المزاد عن السداد في يوم العمل التالي للمزاد، واعتبر مزايداً طائشاً. (المادة 407/ ب)
حيث يبلغ المشترك صاحب العرض الأسبق قرار الإحالة، لتسديد الثمن خلال يوم العمل التالي لتبلغه، وإذا امتنع المذكور أيضاً، يحال العقار على اسم من سبقه وهكذا،
ويحتبس مبلغ التأمين المقدم من كل شخص اشترك في المزاد وامتنع عن الوفاء لصالح أصحاب الحقوق الثابتة في الملف التنفيذي. (المادة 407/ ج)
وإذا امتنع جميع المزايدين عن إكمال الثمن كل فيما يخصه يحق للدائن أن يطلب إحالة العقار على اسمه.
وفي حال لم يطلب الدائن ذلك، يعاد البيع على أن تبقى قيمة العقار ومبالغ التأمين المدفوعة محتبسة لصالح القضية. (المادة 407/ د)
وفي الحقيقة يعتبر هذا المبدأ الجديد مبدعاً في الحدّ من ظاهرة المزايد الطائش، وفي تحقيق أفضل سعر للعقار، فلم يعد المشترك الذي تقدم بعرض شراء، بحِلٍّ منه إذا صدر عرض أعلى منه سعراً من مشترك ثان، إذ يبقى ملتزماً بعرضه في حال تبين طيش المزايد الأخير، ولو بعد انتهاء المزاد، وهكذا دواليك يبقى كافة المشتركين ملتزمون بعروضهم، فإذا نكل الجميع يحق للدائن طلب إحالة العقار على اسمه أو إعادة البيع.
ولكن يؤخذ على هذه المبادئ الجديدة ما يلي:
تعتبر المدّة التي حددها نص الفقرة (ب) من المادة (407) للارتباط بالعرض (ثلاثة أيام عمل تلي تاريخ اعتبار الراسي عليه المزاد ممتنعاً عن السداد)، قليلة وغير منطقية وغير لازمة، لأنها لا تحقق الغاية من الالتزام بالعرض حتى تسديد الثمن، وتتنافى مع مبدأ عدم إعادة التأمين حتى تسديد الثمن،
فإذا افترضنا رسوّ المزاد على مشترك وكان هناك أربعة عروض مختلفة سابقة له من مزاودين متفرقين، فإذا تحقق النكول المفترض، كيف ستسري مهلة الثلاثة أيام عمل بحق أصحاب العروض السابقة، وخاصة عروض المشترك الثاني والثالث والرابع!!
وكان من الأجدى برأينا عدم تحديد أية مدة مطلقاً طالما أن التأمين لن يعاد قبل إنجاز البيع!! والاستعاضة عن هذه المدة بمنح يوم للمشترك صاحب العرض الأسبق يلي تاريخ تبلغه إحالة العقار على اسمه بالسعر الذي عرضه لتسديد الثمن.
كما يؤخذ على نص الفقرة (د) من المادة (407) الذي سمح للدائن طلب إحالة العقار على أسمه عند نكول المشتركين، أنه لم يحدد السعر الذي يجب أن يحتسب عليه في هذه الحالة!! وإن كنّا نرجّح أن المقصود هو القيمة المقدرة للعقار، قياساً على (المادة 406/ ج) مع الحق بالرجوع على الناكلين بفارق السعر كل حسب حصته، من التأمين المدفوع منهم.
كما يؤخذ على النص استخدام مصطلحات لا تعبر بدقة عن المقصود بها مثل (مصادرة التأمين)، بينما الأنسب استخدام (احتباس التأمين) لأن المصادرة تحمل معنى الاستيلاء على التأمين نهائياً، والقصد هو احتباسه أو حجزه مدة معينة ريثما تنتهي عملية البيع.
كذلك الأمر بالنسبة لاستخدام مصطلح (إكمال الثمن) الذي يحمل معنى دفع جزء منه، متمثل بتأمين الاشتراك بالمزاد، ويتوجب عليه إكماله، في حين أن التأمين لا يفسر كجزء من الثمن، لأنه عبارة عن مبلغ مفروض على المشترك بالمزاد، غايته ضمان الجدية بالشراء، وبالتالي يكون المعنى الأنسب في هذه الحالة (سداد الثمن) وليس إكماله.
كما لا يفوتنا في هذا المقام أيضاً التطرق للصياغة السيئة لنص الفقرة (ب) من المادة (407)، حيث اعتبر من اشترك بالمزاد (مرتبطاً) بعرضه الذي تقدم به، وزاد عليه أيضاً وصف (ملتزماً)، وهذا تكرار بالمترادفات لا يناسب نص تشريعي، إذ يكفي استخدام أي من الكلمتين للتعبير عن نفس المعنى،
من جهة ثانية، يهدف هذا النص ببساطة، لإلزام المشتركين بالعروض التي تقدموا بها حتى بعد انتهاء المزاد في حال نكل الراسي عليه المزاد عن السداد، وكان يمكن لحظ المبدأ بالفقرة (ج) التي تلتها، والاستغناء عن هذه الفقرة برمتها، وعن صياغتها الثقيلة للتعبير عن فكرة بسيطة.
رابعاً:
يلزم المشتري المتخلف بما ينقص من ثمن العقار وبالفوائد بدءاً من تاريخ انتهاء ميعاد إيداع الثمن، وحتى الوفاء بفرق الثمن ويشمل قرار الاحالة القطعية إلزامه بفرق الثمن إن وجد، ولا حق له بالزيادة التي تصبح حقا للدائن والمدين. (المادة 407/ هـ)
إذا تم إعادة المزاد أو إحالة العقار على اسم الدائن بالقيمة المقدرة، بسبب نكول المشتركين عن السداد، ونجم عن ذلك إحالته بسعر أقل من الذي حققه بالمزاد السابق، فيلزم الناكلون بالفرق بين السعرين كل حسب نصيبه فقط، كون النص لم يفترض التضامن بينهم في هذه الحالة،
ويلتزمون أيضاً بالفائدة القانونية، ومقدارها 4% كونها مدنية الطابع، تسري من تاريخ اعتبارهم ممتنعين عن السداد، ويدفعها كل متخلف بمقدار نصيبه من فارق الثمن.
وفي حال حقق العقار زيادة عن السعر السابق فليس لهم أي حق بها.
ومن الناحية النظرية البحتة إذا لم يكف التأمين المدفوع لسداد الفرق المذكور، فيعتبر قرار رئيس التنفيذ بالإلزام بهذا الفرق سنداً تنفيذياً يمكن تنفيذه مباشرة عن طريق دائرة التنفيذ.
وأخيراً يجب الانتباه لنص المادة 411/ ب الذي يقول:
((يجب على المحال عليه أن يودع الثمن في الدائرة خلال عشرة أيام من تاريخ الاحالة القطعية.....))
الذي يتناقض ويتنافر بحدة مع أحكام المادة 407 التي وضعت آلية واضحة وصريحة لسداد الثمن!!
في الواقع نص المادة 411 في القانون الجديد ناتج عن دمج المادتين 424 و425 في القانون السابق، ونقلهما حرفياً لمتن القانون الجديد،
وبعيداً عن المواربة والمجاملة نقول بشكل مباشر، أن نقل النص بهذا الشكل، وحشره حرفياً بمتن القانون يعتبر خطأ فادح من اللجنة التي أعدت القانون في وزارة العدل كونه أدرج في ذلك المشروع تحت رقم المادة 404، ويدل على تسرع وقلة تبصر واحتراز، لأنه يتنافى مع منظومة القواعد المختصرة التي أقرتها آنفاً،
هذا النص سيتسبب بإرباك لا يستهان به في التطبيق العملي، لتعارضه الشديد مع الأحكام التي سبقته، ويحدونا الأمل بأن يعمل المشرع سريعاً على استدراك هذا الخطأ بإصدار تشريع يلغي فيه هذه المادة برمتها لأنها زائدة في ظل المبادئ الجديدة التي تبناها القانون.
للبحث صلة إن شاء الله .....
الأربعاء فبراير 03, 2016 12:09 am من طرف ﻧﺎﻳﻒ الشيخ